كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن حجر‏:‏ يؤخذ من مجموع الأدلة أن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا، فالأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور كالمذكور في هذا الخبر ثم يتطوع أو عكسه‏؟‏ ذهب الجمهور إلى الأول والحنفية إلى الثاني ويترجح تقديم الذكر المأثور لتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة، وزعم بعض الحنابلة أن بعض المراد بدبرها ما قبل السلام ورد بعدة أخبار وأما التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاؤوا انصرفوا أو مكثوا وذكروا، وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعظهم فليقبل عليهم جميعاً وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور، فهل يقبل عليهم أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين، ويساره من قبل القبلة ويدعو‏؟‏ الثاني هو ما عليه أكثر الشافعية‏.‏

- ‏(‏حم د ن حب عن الحارث‏)‏ بن مسلم ‏(‏التميمي‏)‏ أنه حدّث عن أبيه به، كذا هو عند النسائي، لكن ابن أبي حاتم قال‏:‏ الحارث بن مسلم بن الحارث فمسلم هو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنده‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ والحارث بن مسلم تابعي ولم يذكر لمسلم هذا أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية، وأما ابنه فلا يعرف حاله أهـ وبه يعلم ما في رمز المصنف لصحته‏.‏

729 - ‏(‏إذا صليتم على الميت‏)‏ صلاة الجنازة ‏(‏فأخلصوا له الدعاء‏)‏ أي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب لأن المقصود ‏[‏ص 394‏]‏ بهذه الصلاة إنما الاستغفار والشفاعة للميت، وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحيّ‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء‏.‏

- ‏(‏د ه حب عن أبي هريرة‏)‏ أعله المناوي بمحمد بن إسحاق وتبعه ابن حجر فقال‏:‏ فيه ابن اسحاق وقد عنعن لكن أخرجه ابن حبان من طريقين آخرين مصرحاً بالسماع‏.‏

730 - ‏(‏إذا صليتم خلف أئمتكم‏)‏ أي أردتم الصلاة خلفهم ‏(‏فأحسنوا طهوركم‏)‏ بضم الطاء أي تطهيركم بأن تأتوا به على أكمل حالة من فرض وشرط وسنة وآداب ‏(‏فإنما يرتج‏)‏ بالبناء للمفعول مخففاً‏:‏ أي يستغلق ويصعب ‏(‏على القارئ قراءته بسوء طهر المصلي خلفه‏)‏ أي بقبحه بأن أخل بشيء من مطلوباتها الشرعية لأن شؤمه يعود إلى إمامه والرحمة خاصة والبلاء عام والأمر بإحسان الطهر عام لكنه للمقتدي آكد‏.‏ وكذا الإمام‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام‏.‏

- ‏(‏فر عن حذيفة‏)‏ بن اليمان‏.‏ قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ سورة الروم فأرتج عليه فلما قضى صلاته قال ذلك أهـ وفيه محمد بن الفرحان قال الخطيب‏:‏ غير ثقة، وفي الميزان‏:‏ خبر كذب وعبد الله بن ميمون مجهول‏.‏

731 - ‏(‏إذا صليتم‏)‏ أي أردتم الصلاة ‏(‏فاتزروا‏)‏ أي البسوا الإزار ‏(‏وارتدوا‏)‏ أي اشتملوا بالرداء، والرداء بالمد‏:‏ ما يرتدي به مذكر‏.‏ قال ابن الأنباري‏:‏ ولا يجوز تأنيثه ‏(‏ولا تشبهوا‏)‏ بحذف إحدى التاءين تخفيفاً ‏(‏باليهود‏)‏ فإنهم لا يتزرون ولا يرتدون بل يشتملون اشتمال الصماء‏.‏ قال في المطامح‏:‏ اللباس المأمور به في الصلاة له صفتان‏:‏ صفة إجزاء، وصفة كمال، فصفة الإجزاء كونه مستور العورة، والصفة الكمالية كونه مؤتزراً مرتدياً في أحسن زي وأكمل هيئة‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وتعقبه عبد الحق بأن فيه نضر بن حماد متروك، وإنما هو موقوف على ابن عمر، قال ابن القطان وأنا أعرف له طريقاً جيداً ذكره ابن المنذر‏.‏

732 - ‏(‏إذا صليتم الفجر‏)‏ أي فرغتم من صلاة الصبح ‏(‏فلا تناموا عن طلب أزراقكم‏)‏ فإن هذه الأمة قد بورك لها في بكورها، وأحق ما طلب العبد رزقه في الوقت الذي بورك له فيه، لكنه لا يذهب إلى طلبه إلا بعد الشمس وقبله يمكث ذاكراً مستغفراً حتى تطلع كما كان يفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الحراني‏:‏ والنوم ما وصل من النعاس إلى القلب فغشاه أي ستره في حق من ينام قلبه، وما استغرق الحواس في حق من لا ينام قلبه‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏

733 - ‏(‏إذا صليتم فارفعوا سبلكم‏)‏ وفي رواية بن عدي‏:‏ السبل بسين مهملة وموحدة تحتية أي ثيابكم المسبلة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ أسبل الإزار أو سبله والمرأة تسبل ذيلها، والفرس ذنبه، ومن المجاز‏:‏ أسبل المطر أرسل دفعة ووقفت على الديار فأسبلت مني عبرتي ‏(‏فإن كل شيء أصاب الأرض من سبلكم‏)‏ بأن جاوز الكعبين ‏(‏فهو في النار‏)‏ أي فصاحبه في النار أن يكون على صاحبه في النار فتلتهب فيه فيعذب به، والمراد نار الآخرة، وهذا إذا قصد به الفخر والخيلاء

- ‏(‏تخ طب هب ‏[‏ص 395‏]‏ عن ابن عباس‏)‏ قال الزين العراقي‏:‏ فيه عيسى بن قرطاس، قال النسائي‏:‏ متروك، وابن معين‏:‏ غير ثقة وقال الهيتمي‏:‏ فيه عيسى بن قرطاس ضعيف جداً، ونحوه في المطامح‏.‏ وفي الميزان عن النسائي متروك وعن العقيلي من غلاة الرفض‏.‏ فرمز المؤلف لحسنه إنما هو لاعتضاده‏.‏

734 - ‏(‏إذا صليتم صلاة الفرض‏)‏ أي المكتوبات الخمس ‏(‏فقولوا في عقب كل صلاة‏)‏ أي في أثرها من غير فاصل أو بحيث ينسب إليها عرفاً ‏(‏عشر مرات‏)‏ أي متواليات ويحتمل اغتفار الفصل والسكوت اليسيرين ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ أداة الحصر لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد لأن معناه الألوهية منحصرة في الله الواحد في مقابلة زاعم اشتراك غيره معه وليس قصر قلب إذ لم ينفها عن الله من الكفرة أحد إنما أشركوا معه ‏(‏وحده‏)‏ حال مؤكدة بمعنى منفرد في الألوهية ‏(‏لا شريك‏)‏ أي لا مشارك ‏(‏له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏)‏ جملة مؤكدة لما قبلها‏:‏ أي هو فعال لكل ما يشاء كما يشاء ‏(‏يكتب له‏)‏ أي فقائل ذلك يقدر الله له أو يأمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحف ‏(‏من الأجر كأنما‏)‏ كأجر من ‏(‏أعتق رقبة‏)‏ لما للكلمات المذكورة من مزيد المزية عنده تعالى وحسن القبول لديه، والرقبة أصلها اسم للعضو المخصوص، ثم عبر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسماً للمملوك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان رابط كذا رأساً وكذا ظهراً، وفيه رد على من زعم أن الدعاء عقب الصلاة لا يشرع تمسكاً بما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لا يثبت إلا بقدر ما يقول ذلك، فقد ورد أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه، فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه فلا تدافع‏.‏ وقول ‏(‏قوله وقول‏:‏ مبتدأ‏)‏ ابن القيم الدعاء بعد السلام مستقبلاً منفرداً أو إماماً أو مأموماً لم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن ولم يفعله الخلفاء بعده إلا أرشد إليه، وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها وأمر بها فيها وهو اللائق بالمصلي فإنه يناجي ربه فإذا سلم انقطعت المناجاة والقرب منه‏:‏ رده ‏(‏قوله رده‏:‏ جملة وقعت في خبر المبتدأ‏)‏ جمع منهم ابن حجر بأن ما زعمه من النفي ممنوع بإطلاق فقد ثبت من طريق صحيحة الأمر بالأذكار دبر الصلاة وإنكاره مكابرة‏.‏

- ‏(‏الرافعي‏)‏ إمام الدين عبد الكريم ‏(‏في تاريخه‏)‏ تاريخ قزوين ‏(‏عن البراء‏)‏ بالتخفيف ابن عازب‏.‏

735 - ‏(‏إذا صمت‏)‏ يا أبا ذر ‏(‏من الشهر‏)‏ أيّ شهر كان ‏(‏ثلاثاً‏)‏ أي أردت صوم ذلك تطوعاً ‏(‏فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة‏)‏ أي صم الثالث عشر من الشهر وتالييه إلا الحجة فصم منها الرابع عشر وتالييه، وسمى هذه الثلاثة الأيام البيض أي أيام الليالي البيض لإضاءتها بالقمر وصومها من كل شهر مندوب وكما يسن صوم البيض يسن صوم السود‏.‏ وهي ثلاثة من آخره‏.‏

- ‏(‏حم ت ن عن أبي ذر‏)‏ ولفظ الترمذي يا أبا ذر إذا صمت إلخ قال الترمذي حسن ورمز المصنف لصحته تبعاً لابن حبان‏.‏

736 - ‏(‏إذا صمتم‏)‏ فرضاً أو نفلاً ‏(‏فاستاكوا بالغداة‏)‏ أي الضحوة وهي أول النهار وهي مؤنثة، قال ابن الانباري‏:‏ ولم ‏[‏ص 396‏]‏ يسمع تذكيرها ولو حملت على أول النهار جاز التذكير ‏(‏ولا تستاكوا بالعشي‏)‏ هو من الزوال إلى الغروب وقيل إلى الصباح ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان‏)‏ كذا فيما وقفت عليه من النسخ والذي رأيته بخط الحافظ العراقي وغيره كانتا ‏(‏نوراً بين عينيه يوم القيامة‏)‏ يضئ له فيسعى فيه أو يكون سيمة وعلامة له يعرف بها في الموقف وأخذ منه أبو شامة تحديد كراهية السواك للصائم بالعصر، خلاف ما عليه الشافعية من تحديدها بالزوال، ورده أبو زرعة بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه بل قضيته التحديد بالزوال لأنه مبدأ العشي، وفي المسألة سبعة مذاهب مبينة في المطولات‏.‏

قال في الإنجيل‏:‏ إذا صمتم فلا تكونوا كالمرائين لأنهم يعبسون وجوههم ويغيرونها ليظهروا للناس صيامهم، الحق أقول لكم‏:‏ لقد أخذوا أجورهم، وأنت إذا صمت ادهن رأسك واغسل وجهك لئلا يظهر للناس صيامك‏.‏

- ‏(‏طب قط‏)‏ من حديث كيسان القصاب عن يزيد بن هلال ‏(‏عن خباب‏)‏ بفتح المعجمة وشد الموحدة ‏(‏ابن الأرت‏)‏ بفتح الهمزة وشد المثناة فوق، تميمي النسب، خزاعي الولاء من السابقين الأولين، عذب في الله، كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يألفه ويأمنه وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه خرجه وسلمه، ولا كذلك، بل تعقبه الدارقطني بأن كيسان هو ابن عمرو القصاب غير قوي، ويزيد غير معروف أهـ‏.‏ وقال العراقي في شرح الترمذي حديث ضعيف جداً، وفي تخريج الهداية فيه كيسان القصاب ضعيف جداً‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ فيه كيسان ضعيف عندهم‏.‏

737 - ‏(‏إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته‏)‏ ندباً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير‏}‏ وأفهم قوله إنه لا يندب له أكل الكل بل لا يجوز، فيجب التصدق بشيء منها فيملكه لفقراء المسلمين، ولا يجوز تمليك الأغنياء ويجوز الإهداء إليهم، والأحسن التصدق بالكل إلا لقمة أو لقماً يأكلها فإنه سنة لهذا الخبر، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأكل من كبد أضحيته‏.‏ ويستحب إذا أكل وأهدى وتصدق أن لا يزيد على كله على الثلث ولا تنقص صدقته عنه، هذا كله في التطوع، أما الأضحية الواجبة بنحو نذر أو بقوله جعلتها أضحية فيحرم أكله منها ولو ضحى عن غيره بإذنه كميت أوصى فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح‏.‏

738 - ‏(‏إذا ضرب أحدكم خادمه‏)‏ يعني مملوكه وكل من له ولاية عليه لتأديبه ‏(‏فذكر الله‏)‏ عطف على الشرط‏:‏ أي ذكره مستغيثاً أو مستشفعاً‏.‏ ذكره ابن العربي‏.‏ ولو قيل‏:‏ المراد مطلق التلفظ بالاسم والابتهال به إلى الله فيما هو فيه لم يبعد، وجواب الشرط قوله ‏(‏فارفعوا أيديكم‏)‏ أي كفوا عن ضربه‏:‏ أي إلا أن يكون في حد فإنه لا بد من إتمام عدده، وإلا في تأديب نافع أو زاجر ولم يكن قد بلغ محله، وذلك إجلالاً لمن ذكر اسمه ومهابة لعظمته‏.‏ هذا سياق الحديث على ما في نسخ هذا الجامع، والذي رأيته في أصول صحيحة معزواً للترمذي‏:‏ إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله تعالى فليرفع عنه أهـ‏.‏ وقوله فليرفع‏:‏ هو مقتضى السياق وعلى ما في نسخ هذا الكتاب إنما قال ارفعوا إشارة إلى أنه عام يتناول كل ضارب‏.‏ قال في العارضة‏:‏ إذا ضرب في حدّ أو تأديب فليذكر له ما يضربه عليه إن لم يعرفه‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في البر ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري، وقال هارون العبدي ضعيف أهـ فاقتصار المصنف على عزو الحديث وسكوته عما عقبه في بيان القادح غير صواب‏.‏

‏[‏ص 397‏]‏ 739 - ‏(‏إذا ضرب أحدكم خادمه‏)‏ أو مواليه أو حليلته أو نحو ولده، وذكر الخادم في بعض الروايات والعبد في بعضها ليس للتخصيص، وإنما خص لأن سبب ذكره أن إنساناً ضرب خادمه وآخر عبده على وجهه، فالسبب خاص والحكم عام، فشمل الحكم إذا ضرب حداً أو تعزيراً لله أو لآدمي ونحو ولي وسيد وزوج ‏(‏فليتق‏)‏ في رواية لمسلم فليتجنب وهي مبينة لمعنى الإتقاء ‏(‏الوجه‏)‏ من كل مضروب معصوم وجوباً لأنه شين، ومثله له للطافته وتشريفه على جميع الأعضاء الظاهرة لأنه الأصل في خلقة الإنسان، وغيره من الأعضاء خادم، لأنه الجامع للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة، ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد، ولأنه مدخل الروح ومخرجه ومقر الجمال والحسن، وبه قوام الحيوان كله ناطقه وصامته فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضرب أو إهانة أو تقبيح أو تشويه، ومثل الوجه في عدم الضرب المقاتل لا الرأس كما قال بعض الشافعية، وجاء في رواية لمسلم تعليله بأن الله خلق آدم على صورته أي على صورة المضروب، وقيل الضمير لله بدليل رواية الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما قال ابن حجر على صورة الرحمن وفي رواية لابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعاً ‏"‏من قاتل فليتجنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن‏"‏‏.‏ فيتعين إجراء ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إيراده على ما جاء بغير إعتقاد تشبيه أو تأويله على ما يليق بالرحمن جل وعلا‏.‏ وفيه أنه يحرم ضرب الوجه وما ألحق به في الحد والتعزير والتأديب‏.‏ وألحق بالآدمي كل حيوان محترم، أما الحربيون فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الحدود ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين، وهو ذهول عجيب، فقد خرجه مسلم من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ بعينه‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ رواه البخاري بلفظ آخر‏.‏

740 - ‏(‏إذا ضن‏)‏ بشد النون بضبط المصنف ‏(‏الناس‏)‏ أي بخلوا ‏(‏بالدينار والدرهم‏)‏ فلم ينفقوها في وجوه البر ‏(‏وتبايعوا بالعينة‏)‏ بالكسر، وهي أن تبيع بثمن لأجل ثم يشتريه بأقل، وقال البيهقي‏:‏ هي أن يقول المشتري ذا بكذا وأنا أشتريه منك بكذا ‏(‏وتبعوا أذناب البقر‏)‏ كناية عن اشتغالهم بالزرع وإهمالهم القيام بوظائف العبادات ‏(‏وتركوا الجهاد في سبيل الله‏)‏ لإعلاء كلمة الله ‏(‏أدخل الله عليهم ذلاً‏)‏ بالضم، هواناً وضعفاً ‏(‏لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم‏)‏ أي حتى يرجعوا عن ارتكاب هذه الخصال المذمومة وفي جعلها إياها من غير الدين وأن مرتكبها تارك للدين، مزيد زجر وتهويل وتقريع لفاعله وهذا من أقوى أدلة من حرم بيع العينة، خلافاً لما عليه الشافعية من قولهم بالكراهة دون التحريم والبطلان‏.‏ وظاهر صنيع المصنف أن لفظ الحديث عند جميع من عزاه له ما ذكر، ولا كذلك بل لفظ رواية البيهقي في الشعب بدل أدخل أنزل الله عليهم البلاء لا يرفعه إلخ، وإناطة إدخال الذل وإنزال البلاء بوقوع الثلاثة مؤذن بأنهم لو فعلوا بعضها فقط لا يلحقهم الوعيد‏.‏

- ‏(‏حم طب هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏ وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه‏:‏

741 - ‏(‏إذا طبختم اللحم‏)‏ أي نضجتموه بمرق، وفي المصباح عن بعضهم لا يسمى طبيخاً إلا إذا كان بمرق ‏(‏فأكثروا المرق‏)‏ بالتحريك ‏(‏فإنه‏)‏ أي إكثاره ‏(‏أوسع وأبلغ للجيران‏)‏ وفي رواية بالجيران، وهي أوضح أي أكثر ‏[‏ص 398‏]‏ بلاغاً في التوسعة عليهم وتعميمهم فلم ينص الأمر بالغرف للجيران منه كأنه أمر متعارف، والأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند الظاهرية‏.‏ قال العلائي‏:‏ وفيه تنبيه لطيف على تسهيل الأمر على مزيد الخير حيث لم يقل فأكثروا لحمها أو طعامها، إذ لا يسهل ذلك على كثير‏.‏ وقال الحافظ العراقي‏:‏ وفيه ندب إكثار مرق الطعام لقصد التوسعة على الجيران والفقراء، وأن المرق فيه قوة اللحم فإنه يسمى أحد اللحمين لأنه يخرج خاصية اللحم فيه بالغليان‏.‏ قال‏:‏ وفيه أفضلية اللحم المطبوخ على المشوي لعموم الانتفاع لأنه لأهل البيت والجيران، ولأنه يجعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام، وفيه ندب الإحسان إلى الجار، وفيه يندب أن يفرق لجاره من طعامه، وأفرد في رواية الترمذي ذكر الجار فإنه أراد الواحد، فينبغي أن يخص به أولاً الأقرب وإن أريد الجنس وأمكن التعميم فهو أولى‏.‏ وإلا فينبغي تقديم الأحوج والأولى‏.‏

- ‏(‏ش عن جابر‏)‏ قضية صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول، فقد أخرجه مسلم بلفظ‏:‏ إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك، ذكره في البر من حديث أبي هريرة، ورواه عنه أيضاً باللفظ الواقع هنا أحمد والبزار قال الهيتمي‏:‏ ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن معراء وثقه أبو زرعة وجمع، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح، وإسناد أحمد منقطع‏.‏أهـ‏.‏ والمؤلف رمز لحسنه‏.‏

742 - ‏(‏إذا طلب أحدكم من أخيه‏)‏ في النسب أو الدين ‏(‏حاجة‏)‏ أي أرادها وطلبها منه سواء كانت له أو لغيره ‏(‏فلا يبدأه‏)‏ في أول سؤاله له ‏(‏بالمدح‏)‏ أي الثناء عليه بما فيه من الصفات الجميلة ‏(‏فيقطع‏)‏ بنصيبه جواب النهي ‏(‏ظهره‏)‏ قال في المطامح‏:‏ هذه إشارة إلى كراهة المدح‏.‏ لأن الممدوح قد يغتر بذلك ويعجب به فيسقط من عين الله ‏.‏أهـ‏.‏ ولا يخفى بعده من السياق، والأقرب أن المراد أنك إن بدأته بالمدح استحيا منك فيتحمل الضرورة ويعطيك ما طلبت متجشماً للمشقة كأنه مقطوع الظهر فيكون المأخوذ حراماً، ولذلك صرح الغزالي بأن المأخوذ بالمحاباة حرام ويظهر أن المسؤول لو كان من المتقين بحيث لا يعيره المدح ولا يستحي من الرد لكونه من أولى الإعطاء أنه لا يكره أن يبدأه بالمدح لا من المحذور‏.‏

- ‏(‏ابن لال في‏)‏ كتاب فضل ‏(‏مكارم الأخلاق عن ابن مسعود‏)‏ وفيه محمد بن عيسى بن حبان ضعفه والدارقطني وقال الحاكم متروك عن يونس بن أبي إسحاق ضعفه أحمد ويحيى ورواه عنه أيضاً البيهقي بزيادة ولفظه‏:‏ إن من البيان لسحراً، فإذا طلب أحدكم من أخيه حاجة فلا يبدأه بالمدحة فيقطع ظهره‏.‏

743 - ‏(‏إذا طلع الفجر‏)‏ الصادق ‏(‏فلا صلاة إلا ركعتي الفجر‏)‏ أي لا صلاة تندب حينئذ إلا ركعتي الفجر سنة الصبح، لأن سلطان الليل أدبر وأقبل سلطان النهار فيصلي سنته ثم صلاته، وبعده تحرم صلاة لا سبب لها حتى تطلع الشمس كرمح في رأي العين، ويظهر أن مراده بالصلاة قيام الليل، فلو تذكر فائتة بعذر عند طلوع الفجر قدمها‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ رمز المصنف لحسنه وليس كما قال، فقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف المتن، لكن قال في الميزان له شواهد من حديث ابن عمر أخرجه الترمذي واستغربه وحسنه، فمن أطلق ضعفه كالهيتمي أراد أنه ضعيف لذاته، ومن أطلق حسنه كالمؤلف أراد أنه حسن لغيره‏.‏

744 - ‏(‏إذا طلعت‏)‏ وفي نسخ طلع على إرادة النجم ‏(‏الثريا‏)‏ أي ظهرت للناظرين عند طلوع الفجر، وذلك في العشر ‏[‏ص 399‏]‏ الأوسط من أيار، فليس المراد بطلوعها مجرد ظهورها في الأفق، لأنها تطلع كل يوم وليلة ولكنها لا تظهر للأبصار لقربها من الشمس في نيف وخمسين ليلة من السنة ‏(‏أمن الزرع من العاهة‏)‏ أراد أن العاهة تنقطع والصلاح يبدو غالباً، فعند ذلك ينبغي أن تباع الحبوب والثمار وتدخر، فالعبرة في الحقيقة ببدو الصلاح واشتداد الحب، لا بظهورها، وإنما نيط بها الغالب، فإن عاهة الحب والثمر تؤمن بأرض الحجاز عنده‏.‏

- ‏(‏طص عن أبي هريرة‏)‏ وفيه شعيب بن أيوب الصريفيني وأورده الذهبي في الضعفاء، وقال أبو داود‏:‏ أخاف الله في الرواية عنه، والنعمان بن ثابت إمام أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ قال ابن عدي ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات، وله أحاديث صالحة‏.‏

745 - ‏(‏إذا طنت‏)‏ بالتشديد أي صوتت من الطنين، وهو صوت الأذن والطست ونحوه ‏(‏أذن أحدكم فليذكرني‏)‏ بأن يقول محمد رسول الله أو نحوه ‏(‏وليصل علي‏)‏ أي يقول صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ فيه عدم الاكتفاء بالذكر حتى يصلي عليه ‏(‏وليقل ذكر الله من ذكرني بخير‏)‏ وذلك لأن الأرواح ذات طهارة ونزاهة ولها سمع وبصر وبصرها متصل ببصر العين، ولها سطوع في الجو تجول وتحول‏.‏ ثم تصعد إلى مقامها الذي منه بدأت فإذا تخلصت من شغل النفس أدركت من أمر الله ما يعجز عنه البشر فهماً، ولولا شغلها رأت العجائب‏.‏ لكنها تدنست بما تلبست فتوسخت بما تقمصت من ثياب اللذات وتكدرت بما تشربت من كأس حب الخطيئات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له إلى أين‏؟‏ قال‏:‏ إلى سدرة المنتهى‏.‏ فهو مشتمل هناك يقول رب أمتي أمتي حتى ينفخ في الصور النفخة الأولى أو الثانية، فطنين الأذن من قبل الروح تجده لخفتها وطهارتها وسطوعها وشوقها إلى المقام الذي فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فإذا طنت الأذن فانظر لما جاءت من الخير، فلذلك قال فليصل علي لأنه ذكره عند الله في ذلك الوقت وطلب منه شيئاً استوجب به الصلاة فيصلي عليه إذا لحقه، فلذلك حكم بمشروعية الصلاة عليه عند طنين الأذن كما شرعت الصلاة عليه عند خدر الرجل لخبر ابن السني‏:‏ إن رجلاً خدرت رجله عند ابن عباس فقال له اذكر أحب الناس إليك، فقال‏:‏ محمد‏.‏ فكأنما نشط من عقال‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏وابن السني‏)‏ في الطب ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الأوسط والصغير ‏(‏عق عد‏)‏ وكذا الخرائطي في المكارم ‏(‏عن أبي رافع‏)‏ أسلم أو إبراهيم أو صالح مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ إسناد الطبراني في الكبير حسن‏.‏ أهـ‏.‏ وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلاً عن وضعه بل أقول‏:‏ المتن صحيح فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه باللفظ المذكور عن أبي رافع المزبور، وهو ممن التزم تخريج الصحيح ولم يطلع عليه المصنف أو لم يستحضره، وبه شنعوا على ابن الجوزي‏.‏

746 - ‏(‏إذا ظلم أهل الذمة‏)‏ بالبناء للمفعول - أو من في حكمهم كمعاهد ومستأمن‏:‏ أي ظلمهم الإمام أو أحد نوابه أو جنده ‏(‏كانت الدولة دولة العدو‏)‏ أي كانت الكرة لأهل الكفر على أهل الإيمان أو كانت مدة ذلك الملك أمداً قصيراً، والظلم لا يدوم وإن دام دمّر، والعدل لا يدوم وإن دام عمر‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ دالت الأيام بكذا أو أدال الله بني فلان من عدوّهم جعل الكرة لهم عليهم، وفي المثل‏:‏ يدال من البقاع كما يدال من الرجال ‏(‏وإذا كثر الزنا‏)‏ بزاي ونون، وفي نسخة‏:‏ الربا - براء فموحدة - والأول أنسب بقوله ‏(‏كثر السباء‏)‏ بكسر المهملة وخفة الموحدة‏:‏ أي الأسر‏:‏ يعني سلط العدو على المسلمين فيكثر من السبي منهم ‏(‏وإذا كثر‏)‏ أي وجد كثيراً ‏(‏اللوطية‏)‏ أي فعل قوم لوط الذين يأتون الذكور بشهوة من دون النساء‏:‏ نسبة إلى قوم لوط ‏(‏رفع الله يده عن الخلق‏)‏ أي أعرض ‏[‏ص 400‏]‏ عن الناس ومنع عنهم مزيد رحمته وألطافه والمراد بالخلق‏:‏ الناس، وإنما عم إعراضه لأن الخطيئة إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت ولم تغير ضرت الخاصة والعامة، كما في حديث الطبراني ‏(‏ولا يبالي في أي واد هلكوا‏)‏ أي لم يكن لهم حظ من السلامة بحال، لأن كلما أوجده الله في هذا العالم وجعله صالحاً لفعل خاص فلا يصلح له سواه، وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية، وركب الشهوة فيهما للتناسل وبقاء النوع، فمن عكس فقد أبطل حكمة الله وعارضه في تدبيره، فلا يبالي في إهلاكه‏.‏

- ‏(‏طب عن جابر‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد ضعيف، وقال المنذري‏:‏ فيه عبد الخالق ضعيف ولم يترك‏.‏

747 - ‏(‏إذا ظننتم فلا تحققوا‏)‏ بحذف إحدى التاءين تخفيفاً أي لا تجعلوا ما قام عندكم من الظن محققاً في نفوسكم محكمين للظن، ويجوز كونه بضم أوله وكسر القاف أي إذا ظننتم بأحد سوءاً فلا تحققوه في نفوسكم بقول ولا فعل، لا بالقلب ولا بالجوارح، أما بالقلب فيصيره إلى النفرة والكراهة، وفي الجوارح بعدم العمل بموجبه، والشيطان يقرب على قلب الإنسان مساوىء الناس بأدنى مخيلة ويلقى إليه أن هذا من فطنته وسرعة ذكائه وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته، نعم إن أخبره به عدل فظن صدقه عذر، لأن تكذيبه سوء للظن به، فلا ينبغي أن يحسن ظنه بواحد ويسيئه بآخر، لكن يبحث عما قد يكون بينهما من عداوة وحقد مما تتطرق التهم بسببه ذكره الغزالي‏.‏ قال‏:‏ وسوء الظن حرام كسوء القول، وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوىء إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك ‏(‏وإذا حسدتم فلا تبغوا‏)‏ أي إذا وسوس لكم الشيطان بحسد أحد فلا تطيعوه ولا تعلموا بمقتضى الحسد من البغي على الحسود وإيذائه، بل خالفوا النفس والشيطان وداووا القلب من ذلك الداء العضال ‏(‏وإذا تطيرتم فامضوا‏)‏ أي إذا خرجتم لنحو سفر فرأيتم أو سمعتم ما فيه كراهة فلا ترجعوا عن مقصدكم، فإنه لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة‏.‏ ومن ظن أن نعيق غراب أو خوار بقرة يرد قضاء أو يدفع مقدوراً أو يورث ضرراً فقد ضل ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً إلا أنه قلما يخلو إنسان من الطيرة، فإذا أصابكم ذلك فلا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلاً ‏(‏وعلى الله فتوكلوا‏)‏ أي عليه لا على غيره وفوضوا أموركم والتجئوا إليه ليدفع عنكم ما تطيرتم به قال في الكشاف‏:‏ والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره ‏(‏وإذا وزنتم‏)‏ شيئاً لمن يشتري منكم مثلاً ‏(‏فأرجحوا‏)‏ بقطع الهمزة وكسر الجيم لئلا تكون صفقتكم كصفقة المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون‏.‏

جرت العادة الإلهية أن من تطير من شيء أصابه غالباً‏:‏ وقع للسلطان خشقدم أن بنت زوجته خوند الأحمدية ماتت في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وثمان مئة، فجلس كاتب السر البرهان الديري أخو العلامة قاضي القضاة سعد الدين بجانب جانبك الداودار الكبير لانتظار الجنازة، فقال له البرهان‏:‏ ما خرج ميت يوم السبت إلا وتبعه اثنان، فقال له الداودار‏:‏ أمها مريضة، فقال وأكبر منها - وعنى به السلطان - فلما انقضى المجلس أخبر الداودار السلطان بما قال كاتب السر، فلما صعد للخدمة على العادة قال له أنت قلت كذا‏؟‏ فأطرق، فسل السيف وأراد ضرب عنقه فشفع فيه فعزله وصادره، ففي رابع عشري الشهر المذكور مات للسلطان ولد وعمره عامين، ثم في حادي عشر ذي الحجة من السنة المذكورة ابتدأ بالسلطان مرض فتعلل مدة ثم مات‏.‏

- ‏(‏ه عن جابر‏)‏ ورواه عنه أيضاً الديلمي وهو ضعيف، لكن له شواهد‏.‏

748 - ‏(‏إذا ظهر الزنا‏)‏ بزاي ونون ‏(‏والربا‏)‏ بالراء والموحدة ‏(‏في قرية‏)‏ أي في أهل قرية أو نحوها كبلدة أو محلة ‏(‏فقد ‏[‏ص 401‏]‏ أحلوا‏)‏ بفتح الحاء وشد اللام من الحلول ‏(‏بأنفسهم عذاب الله‏)‏ أي تسببوا في وقوعه بهم لمخالفتهم ما اقتضته حكمة الله من حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه‏.‏ وأن الناس شركاء في النقديين والمطعوم، لا اختصاص لآحد به إلا بعقد لا تفاضل فيه‏.‏

- ‏(‏طب ك عن ابن عباس‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هاشم بن مرزوق لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات‏.‏

749 - ‏(‏إذا ظهرت الحية‏)‏ أي برزت ‏(‏في المسكن‏)‏ أي محل سكن أحدكم من بيت أو غيره ‏(‏فقولوا‏)‏ لها ندباً، وقيل وجوباً ‏(‏إنا نسألك‏)‏ بكسر الكاف خطاباً لمؤنث ‏(‏بعهد نوح وبعهد سليمان ابن داود أن لا تؤذينا فإن عادت‏)‏ مرة أخرى ‏(‏فاقتلوها‏)‏ قالوا لأنها إن لم تذهب بالإنذار علم أنها ليست من العمار ولا ممن أسلم من الجان فلا حرمة لها فيجب قتلها‏.‏ وظاهره أنه لا يجوز الهجوم على قتلها قبل الإنذار، وفي بعض الحواشي أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ بلأمر مطلقاً‏.‏ وقال الماوردي وعياض‏:‏ الأمر بالإنذار خاص بحيات المدينة‏.‏

- ‏(‏ت عن‏)‏ عبد الرحمن ‏(‏بن أبي ليلى‏)‏ الفقيه الكوفي قاضيها لا يحتج به وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حسن غريب، رمز المصنف لحسنه‏.‏

750 - ‏(‏إذا ظهرت الفاحشة‏)‏ قال في الكشاف‏:‏ وهي الفعلة البالغة في القبح‏.‏ وقال القاضي‏:‏ ما ينفر عنه الطبع السليم ويبغضه العقل المستقيم ‏(‏كانت الرجفة‏)‏ أي الزلزلة أو الاضطراب وتفرق الكلمة وظهور الفتن ‏(‏وإذا جار الحكام‏)‏ أي ظلموا رعاياهم‏.‏ والجائر من يمتنع أو يمنع من التزام ما أمر به الشرع ‏(‏قل المطر‏)‏ الذي به صلاح الأنفس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضرر ‏(‏وإذا غدر‏)‏ بضم الغين المعجمة ‏(‏بأهل الذمة‏)‏ أي نقض عهدهم أو عوملوا من قبل الإمام أو نوابه بخلاف ما يوجبه عقد الجزية لهم ‏(‏ظهر العدو‏)‏ أي كان ذلك سبباً لظهور عدو الإمام أو الإسلام وغلبته عليه أو على المسلمين، لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه يحيى بن يزيد النوفلي عن أبيه‏.‏ قال أبو حاتم منكر الحديث‏.‏ قال الذهبي‏:‏ وأبوه مجمع على ضعفه، لكن له شواهد‏.‏

751 - ‏(‏وإذا ظهرت البدع‏)‏ المذمومة كالوقيعة في الصحابة والطعن في السلف الصالح ‏(‏ولعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم‏)‏ بفضل الصدر الأول وما للسلف من المناقب الحميدة والمآثر الجميلة ‏(‏فلينشره‏)‏ أي يظهره بين الخاصة والعامة ليعلم الجاهل فضل المتقدم وينزجر عن قبيح قوله ويبين للناس ما أظهروه من الدين وأصلوه من الأحكام الذي استوجبوا به الإعظام ونهاية الإكرام ‏(‏فإن كاتم العلم يومئذ‏)‏ أي يوم ظهور البدع ولعن الآخر الأول ‏(‏ككاتم ما أنزل الله على محمد‏)‏ فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما جاء في عدة أخبار‏.‏ قال الغزالي‏:‏ والعلماء أطباء الدين، فعليهم أن يتكفل كل عالم منهم بقطره أو محلته، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلمهم أمر دينهم، ويميز البدعة من السنة، وما يضرهم عما ينفعهم، وما يشقيهم عما يسعدهم، ولا يصبر حتى يسأل منه، بل يتصدى للدعوة بنفسه، لأنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا ‏[‏ص 402‏]‏ ينادونهم في مجامعهم ويدورون على دورهم، فإن مرضاء القلوب لا يعرفون مرضهم، فهذا فرض عين على كافة العلماء‏.‏ اهـ وقال في موضع آخر‏:‏ هذا الحديث فيما إذا كان العالم بينهم فسكت‏.‏ قال‏:‏ ولا يجوز له الخروج من بينهم حينئذ ولا العزلة ‏(‏وحكى‏)‏ أن الأستاذ ابن فورك قصد الانفراد للتعبد، فبينما هو في بعض الجبال سمع صوتاً ينادي‏:‏ ياأبا بكر إذ قد صرت من حجج الله على خلقه، تترك عباد الله، فرجع وكان سبب صحبته للخلق‏.‏ قال‏:‏ وذكر لي مأمون بن أحمد أن الأستاذ أبا إسحاق قال لعباد جبل لبنان‏:‏ يا أكلة الحشيش تركتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أيد المبتدعة واشتغلتم ههنا بأكل الحشيش‏؟‏ قالوا إنا لا نقوى على صحبة الناس وإنما أعطاك الله قوة فلزم ذلك، فصنف بعده كتابه الجامع بين الجلي والخفي‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل ورواه عنه أيضاً الديلمي بلفظ ‏"‏إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله‏"‏‏.‏

752 - ‏(‏إذا عاد أحدكم مريضاً‏)‏ أي زاره في مرضه، والمراد المسلم المعصوم ‏(‏فليقل‏)‏ في ذهابه له ندباً ‏(‏اللهم اشف عبدك ينكأ‏)‏ بفتح الياء المثناة وآخره يهمز ولا يهمز‏:‏ أي ليخرج ويولم من النكاية بالكسر‏:‏ القتل والإثخان، وهو مجزوم على أنه جواب الأمر، ويجوز رفعه بتقدير فإنه ينكأ ‏(‏لك عدواً‏)‏ من الكفار، وقدمه على ما بعده لعموم نفعه ‏(‏أو يمشي لك إلى صلاة‏)‏ وفي رواية إلى جنازة‏:‏ جمع بين النكاية وتشييع الجنازة، لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعي في إنزال الرحمة‏.‏ وعيادة المريض المسلم سنة مؤكدة وأوجبها الظاهرية ولو مرة في مرضه تمسكاً بظاهر الأمر في الأخبار‏.‏

- ‏(‏ك عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص، ثم قال على شرط مسلم وأفره الذهبي‏.‏

753 - ‏(‏إذا عاد أحدكم مريضاً فلا يأكل عنده شيئاً‏)‏ أي يكره له ذلك ‏(‏فإنه‏)‏ إن أكل عنده فهو ‏(‏حظه من عيادته‏)‏ ‏[‏‏"‏‏(‏حظه من عيادته‏"‏‏:‏ أي فإن الطعام هو نصيبه من عيادته، فليس له ثوابها‏.‏ دار الحديث‏)‏‏]‏ أي فلا ثواب له فيها أصلاً أو كاملاً، إنما ثوابه ما أكل‏.‏ ويطهر أن في معنى الأل ما عتيد من إتحاف الزائر بشرب السكر أو الشراب أو اللبن أو القهوة، فينبغي تجنب ذلك للعائد وينقدح اختصاص المنع بغير الأصل في عيادة فرعه، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يأتي‏:‏ أنت ومالك لأبيك‏.‏

- ‏(‏فر عن أمامة‏)‏ وفيه موسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين‏.‏

754 - ‏(‏إذا عرف الغلام‏)‏ اسم للمولود إلى أن يبلغ ‏(‏يمينه من شماله‏)‏ أي ميز هذه من هذه‏.‏ وعرف ما يضره مما ينفعه، فهو كناية عن التمييز بأن يصير يأكل ويشرب ويستنجي وحده ‏(‏فمروه‏)‏ أيها الأولياء‏:‏ الأب فالجد فالأم فالوصي ‏(‏بالصلاة‏)‏ أي يفعلها ولو قضاء بجميع شروطها الظاهرة والباطنة ليتمرن عليها فيألفها إذا بلغ‏.‏ وظاهر الخبر أن لا يضربه حينئذ، وذلك لأن الضرب عقوبة فتؤخر لزمن احتمالها وهو بلوغه عشر سنين، وفيه دليل لمن اكتفى بالتمييز وحده ولم يشترط معه بلوغ سبع سنين كابن الفركاح لكن النووي شرطه معه‏.‏

- ‏(‏د هق عن رجل من الصحابة‏)‏ قال في المنار‏:‏ لا يعرف هذا الرجل ولا المرأة التي روت عنه، وتعقب بأنه جاء عند الطبراني وغيره أنه عبد الله بن حبيب الجهني وله صحبة، رمز المؤلف لحسنه لكن فيه عند مخرجه أبي داود‏:‏ هشام بن سعد، فال في الكاشف عن أبي حاتم لا يحتج به وعن أحمد لم يكن بالحافظ‏.‏

‏[‏ص 403‏]‏ 756 - ‏(‏إذا عطس أحدكم‏)‏ بفتح الطاء ‏(‏فحمد الله‏)‏ وأسمع من بقربه حيث لا مانع، وذلك شكراً لله على نعمته بالعطاس لأنه بخرات الرأس الذي هو معدن الحس وهو الفكر وبسلامته تسلم الأعضاء فهو جدير بأن يشكر عليه ‏(‏فشمتوه‏)‏ بشين معجمة من الشوامت وهي القوائم، هذا هو الأشهر والذي عليه الأكثر، وروي بمهملة من السمت وهو قصد الشيء وصفته‏:‏ أي ادعوا الله بأن يرد شوامته أي قوائمه أو سمته على حاله لأن العطاس يحل مرابط البدن ويفصل معاقده، فمعنى رحمك الله أعطاك رحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها كل عضو إلى سمته، والأمر للندب عند الجمهور وقال ابن دقيق العبد‏:‏ ظاهر الخبر الوجوب، ومال إليه وأيده ابن القيم، وعليه فقيل هو عيني، وقيل كفاية وإذا لم يحمد فلا تشمتوه فيكره تنزيهاً لأن غير الشاكر لا يستحق الدعاء‏.‏ ويسن لمن عنده ذكر الحمد ليحمده‏.‏

وقال النووي‏:‏ وأخطأ ابن العرب في قوله لا يفعله‏.‏ قال النووي‏:‏ وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه‏.‏ وأخذ منه أنه لو أتى بلفظ عير الحمد لا يشمت‏.‏

اعتيد في بعض الأقطار أنه إذا عطس كبير وحمد لا يشمت إعظاماً له‏.‏ وقد صرح جمع بأن من قال لمن شمت كبيراً يرحمك الله لاتقل له ذلك قاصداً أنه غني عن الرحمة أو أجل من أن يقال له ذلك كفر‏.‏ قال ابن صورة في المرشد‏:‏ وليكن التشميت بلفظ الخطاب لأنه الوارد‏.‏ وقال في شرح الإلمام‏:‏ المتأخرون إذا خاطبوا من يعظموه قالوا يرحم الله سيدنا - من غيرخطاب - وهو خلاف ما دل عليه الأمر في الحديث، وبلغني عن بعض علماء زماننا أنه قيل له ذلك، فقال‏:‏ قل يرحمك الله يا سيدنا، كأنه قصد الجمع بين لفظ الخطاب، وما اعتادوه من التعظيم‏.‏

- ‏(‏حم خد م عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ورواه عنه أيضاً الطبراني‏.‏

755 - ‏(‏إذا عطس أحدكم‏)‏ أي هم بالعطاس ‏(‏فليضع‏)‏ ندباً ‏(‏كفيه‏)‏ أو كفه الواحدة إن كان أقطع أو أشل ‏(‏على وجهه‏)‏ فإنه لا يأمن أن يبدو من فضلات دماغه ما يكرهه الرائي فيتأذى برؤيته، وهذا نوع من الأدب بين الجلساء ‏(‏وليخفض‏)‏ ندباً ‏(‏صوته‏)‏ بالعطاس فإن الله يكره رفع الصوت به والتثاؤب كما يأتي في خبر أبي داود في خبر‏.‏ إن التثاؤب الرفيع والعطس الشديد من الشيطان‏.‏ والحديث يفسر بعضه بعضاً‏.‏

- ‏(‏ك هب عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

757 - ‏(‏إذا عطس أحدكم فليقل‏)‏ ندباً ‏(‏الحمد لله رب العالمين‏)‏ ولا أصل لما اعتيد من بقية قراءة الفاتحة‏.‏ ويكره العدول عن الحمد إلى‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد‏.‏ فهو مكروه‏.‏ كذا ذكره ابن حجر قال‏:‏ وقد روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال أش، فقال وما أش‏؟‏ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد‏.‏ نعم روى النسائي عن علي‏:‏ الحمد لله على كل حال‏:‏ وأخذ به قوم، واختار جمع الجمع فيقول الحمد لله رب العالمين على كل حال ‏(‏وليقل له‏)‏ بإسناد قال ابن حجر صحيح يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله ‏(‏وليقل هو‏)‏ أي العاطس مكأفأة لدعائه وتأليفاً له ‏(‏يغفر الله لنا‏)‏ لفظ رواية الطبراني‏:‏ لي ‏(‏ولكم‏)‏ وفي رواية البخاري يهديكم الله ويصلح بالكم‏:‏ أي حالكم‏.‏ واختير الجمع ورجح، واعترض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل وهو محال، ومنع بأنه ليس المراد بالدعاء وبالهداية ما متلبس به من الإيمان، بل معرفة تفاصيل أجزائه وإعانته على أعماله، وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل طرفة عين ومن ثم أمر الله أن نسأله الهداية في كل ركعة من الصلاة اهدنا الصراط المستقيم‏.‏

- ‏(‏طب ‏[‏ص 404‏]‏ ك هب عن ابن مسعود‏)‏ وفيه عند الطبراني أبيض بن أبان وفيه خلف‏.‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ ورواه عنه أيضاً النسائي في اليوم والليلة وقال حديث منكر ‏(‏حم 3 ك هب عن سالم بن عبيد الأشجعي‏)‏ نسبة إلى أشجع‏.‏ قال العراقي‏:‏ واختلف في إسناده‏.‏ ورواه البخاري بأتم من هذا ولفظه في الأدب المفرد‏:‏ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل له يهديكم الله ويصلح بالكم‏.‏

758 - ‏(‏إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة‏)‏ أي الحفظة أو من حضر منهم أو أعم ‏(‏رب العالمين فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة رحمك الله‏)‏ دعاء أو خبر على ما تقرر فيما قبله‏.‏ ومحصوله أن العبد إذا أتى بصيغة الحمد الكاملة التي صدر بها أشرف الكتب السماوية استحق أن يقابل بالإجابة، وإن قصر باقتصاره على لفظ الحمد تممت الملائكة له ما فاته التصريح بالربوبية والمالكية المستوجب لكل سبوحية وقدوسية‏.‏ واعلم أن الملائكة تسر بما يحصل للمؤمن من محاب الله، فإنه يحب العطاس، فإذا ذكر العبد الله وحمده سر الملائكة وأحزن الشيطان لوجوده منها دعاء الملائكة والمؤمنين له بالرحمة والهداية وإصلاح الحال ‏(‏تتمة‏)‏ قال بعض العارفين‏:‏ قال بعض السادة لعاطس قال الحمد لله أتمها كما قال الله رب العالمين، فقال العاطس‏:‏ ومن العاطس حتى يذكر مع الله‏؟‏ فقال له قلها ياأخي فإن المحدث إذا أقرن بالقديم لم يبق له أثر، وهذا مقام الوصلة وحالة زلة أهل الفناء عن أنفسهم، أما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأنه إثبات للعبد، ولو قال رب العالمين كان أرفع من المقام الذي كان فيه، فذلك مقام الوارثين‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الأوسط ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، وأقول فيه أيضاً أبو كريب‏.‏ قال الذهبي مجهول‏.‏

759 - ‏(‏إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه‏)‏ أي الجالس معه ولو أجنبياً ‏(‏فإن زاد‏)‏ العاطس ‏(‏على ثلاث‏)‏ من العطسات ‏(‏فهو مزكوم‏)‏ أي به داء الزكام، وهو مرض معروف ‏(‏ولا يشمت بعد ثلاث‏)‏ أي لا يدعى له بالدعاء المشروع للعاطس‏.‏ بل بدعاء يناسبه من جنس دعاء المسلم للمسلم بنحو شفاء وعافية، فمن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم ولذلك قال ابن القيم في قوله وهو مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية لأن الزكمة علة‏.‏ وأشار إلى الحث على تدارك هذه العلة ولا يهملها فبعظم أمرها، وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة ‏(‏تتمة‏)‏ روى البخاري في الأدب المفرد عن علي‏:‏ من قال عند عطسة سمعها‏:‏ الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان‏:‏ لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ هو موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع، وأخرجه الطبراني عن علي مرفوعاً‏:‏ من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبداً‏.‏ وسنده ضعيف‏.‏

- ‏(‏د عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه كذا عزاه المصنف لأبي داود فيما وقفت عليه من النسخ، وقد عزاه في الأذكار لابن السني وقال فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده غير صحيح وعزاه ابن حجر لأبي يعلى وقال فيه سليمان الحراني ضعيف ولم يتعرض إلى تخرجه لأبي داود‏.‏

760 - ‏(‏إذا عظمت‏)‏ بفتح المهملة وشد المعجمة ‏(‏أمتي الدنيا‏)‏ أراد بالدنيا‏:‏ الدراهم والدنانير كما يصرح به لفظ رواية ابن أبي الدنيا إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم‏.‏ وتعظيمها بالتهافت على تحصيلهما وادخارهما والضنة بهما عن الإنفاق ‏[‏ص 405‏]‏ في وجوه القرب ‏(‏نزعت‏)‏ بالبناء للمفعول أي نزع الله منها ‏(‏هيبة الإسلام‏)‏ لأن من شرط الإسلام تسليم النفس لله عبودية فمن عظم الدنيا أخذت بقلبه فسبته فصار عبدها فلم يقدر على بذل النفس لله لأنه عبد دنياه فلا يملك نفسه فيبذلها‏.‏ وإذا فسد الباطن ذهبت الهيبة والبهاء لأن الهيبة إنما هي لمن هاب الله‏.‏ قال في الاختيار‏:‏ ولا يجتمع تعظيم الدنيا وتعظيم الحق في قلب واحد أبداً، ‏(‏وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏)‏ مع القدرة وغلبة ظن سلامة العافية ‏(‏حرمت‏)‏ بضم فكسر ‏(‏بركة الوحي‏)‏ يعني فهم القرآن، وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير ‏{‏إنما يتذكر أولو الألباب‏}‏ ذكره الغزالي عن الفضيل‏.‏ وذلك لأن في ترك الأمر والنهي خذلان الحق وجفوة الدين وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة وفي جفاء الدين فقد النور فيحجب القلب فيحرم بركته وحرمان بركته أن يقرأه فلا يفهم أسراره ولا يذوق حلاوته وهو من أعلم الناس العلوم العربية وأبصرهم بتفسيره وقد عمي عن زواجره وقوع وعده ووعيده وأمثاله ‏(‏وإذا تسابت أمتي‏)‏ أي شتم بعضها بعضاً ‏(‏سقطت من عين الله‏)‏ أي حط قدرها وحقر أمرها‏.‏ يقال هذا الفعل مسقط للإنسان من أعين الناس‏.‏ وذلك لأن السباب بدؤه الكبر واحتقار الناس والحسد والبغي والتنافس في الدنيا وهو مسقط من عين الله‏.‏ ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته ومن زالت عنه رعايته ذهبت عصمته فله في كل نائبة ورطة حتى تؤديه إلى الورطة الكبرى‏:‏ سلب الدين والانتكاص على عقبيه‏.‏ ومن سقط من عينه لم يبال في أي واد هلك وأي شيطان سباه‏.‏ هذا في السباب فكيف بما فوقه‏؟‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال العراقي‏:‏ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معضلاً من حديث الفضيل‏.‏

761 - ‏(‏إذا علم العالم فلم يعمل‏)‏ بعلمه ‏(‏كان كالمصباح‏)‏ من جهة أنه ‏(‏يضيء للناس ويحرق نفسه‏)‏ بضم التحتية أوله‏:‏ من أحرق‏:‏ يعني أن صلاح غيره في هلاكه كالدهن الذي يستصبح به‏.‏ وهذا مثل بديع ضربه لمن يعمل بعلمه ولا يرى أحسن ولا ألطف ولا أوجز للمتأمل من كلام النبوة وبدائع آدابه‏.‏ قال الجنيد‏:‏ العلم مأمور باستعماله، فإذا لم تستعمله حالاً أهلكك مآلاً‏.‏ وقال‏:‏ في الدنيا طغيانان‏:‏ طغيان العلم، وطغيان المال فالمنجي من طغيان العلم العمل ومن طغيان المال الزهد‏.‏ وقال الراغب‏:‏ من أصاب علماً فانتفع به ونفع غيره من مستحقه كان كالشمس تضيء لغيرها من أفاد علمه لغيره ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها، وكالمغزل يكسو غيره ولا يكتسي، وكذبالة المصباح تضيء للناس وهي تحترق‏.‏

- ‏(‏ابن قانع‏)‏ عبد الباقي ‏(‏في المعجم‏)‏ معجم الصحابة ‏(‏عن سليك‏)‏ بن عمرو وقيل ابن هدية ‏(‏الغطفاني‏)‏ نسبة إلى غطفان‏.‏

762 - ‏(‏إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه‏)‏ أي فليحكمه ‏(‏فإنه‏)‏ أي الإتقان المفهوم من يتقن ‏(‏مما‏)‏ أي الشيء الذي ‏(‏يسلي‏)‏ بضم الياء بضبط المؤلف من التسلية وهي تخفيف ما في النفس من الحزن ‏(‏بنفس‏)‏ بزيادة الباء للتأكيد ‏(‏المصاب‏)‏ أي يزيل عنه ما يجده من شدة الحزن، وأصل السلو‏:‏ التسلي، فيقال سلوت عن كذا، وسليت عنه، وتسليت‏:‏ إذا زالت عنك محبته والمصاب من أصابته مصيبة الموت‏.‏ وأصل الحديث عند الطبراني وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنه ابراهيم عليه السلام فرأى فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، ثم ذكره فالمراد بالعمل هنا تهيئة اللحد ‏[‏ص 406‏]‏ وإحكام السد، ومتعلقات الدفن، لكن الحديث وإن ورد على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏عن عطاء‏)‏ الهلالي القاضي ‏(‏مرسلاً‏)‏ هو تابعي كثير الإرسال، ويشهد له الحديث الآتي‏:‏ إن الله يحب من العمل إلخ‏.‏

763 - ‏(‏إذا عملت سيئة‏)‏ أي عملاً من حقه أن يسوءك ‏(‏فأحدث‏)‏ بقطع الهمزة وكسر الدال ‏(‏عندها توبة‏)‏ تجالسها بحيث يكون ‏(‏السر بالسر والعلانية‏)‏ أي الباطن بالباطن والظاهر بالظاهر، فإذا عصى ربه بسره تاب إليه بسره باكتساب ما يزيله، وإذا عصاه بجوارحه الظاهرة تاب إليه بها مع رعاية المقابلة وتحقق المشاكلة هذا هو الأنسب وليس المراد أن السرية لا يكفرها توبة جهرية وعكسه كما وهم‏.‏ والسر ما كان في الخلاء، والعلانية ما كان في الملإ‏.‏ والظاهر ما كان بالأركان، والباطن ما كان بالجنان فمن أخلص في توبته بحيث استوت سريرته علانيته خمدت شهوته وذبلت حركته وهاب الله في كل مكان واستحيا منه في كل زمان‏.‏ ومن صدق في ذلك فقد استقام وارتفع إلى أعلا مقام، وإلا فتوبته لقلقة لسان وافتراء وبهتان‏.‏